العراق الجديد

العراق الجديد

السبت، ٤ أغسطس ٢٠٠٧

سيكولوجيــة التظاهـر

الدكتور محمد احمد النابلسي

رئيس المركز العربي للدراسات المستقبلية

تحدد الأدبيات الأساسية في علم النفس السياسي التظاهر وتعرفه على انه سلوك جماعي علني يطغى عليه الطابع الإنفعالي ويمكنه أن ينتشر بالعدوى على شكل تقليد هيستيري الطابع. وهذا الطابع يمكنه أن يأخذ منحاً تصعيدياً ليصل الى حدود الشغب أو المبالغة في الإنفعالية. ويعبر التظاهر عادة عن رسالة تحدد موقفاً من اتجاه أو إجراءات سياسية معينة. ذلك هو التعريف العلمي لأركان التظاهر. كما وتشير الدروس الأولية في علم النفس الاجتماعي إلي أن مثل تلك المساندة ،احتجاجا أو تأييدا، تعد من ضمن ردود الفعل الطبيعية للفرد منذ طفولته الأولى. إذ تبدأ مظاهر الإحتجاج لدى الطفل مع صرخاته احتجاجاً و رفضاً, و ضحكاته و تصفيقه تقبلاً و تأييداً. ومع نمو الطفل و بزوغ السلوك الجماعي تتخذ المظاهرة طابعها المممارس من قبل البالغين في الساحة السياسية.

ولقد حظي سلوك التظاهر بقدر وإهتمام كبيرين من دراسات علم النفس الاجتماعي والسياسي. بحيث أمكن تتبع تاريخ الظاهرة و جذورها واستخلاص القوانين السلوكية التي تحكمها, بل وفي توظيف تلك القوانين في تطوير أشكال المظاهرات. وكذلك في تطوير أساليب التعامل معها. سواء لجهة تنظيمها أو تقنيننها أو السيطرة على مجرياتها التصعيدية. واستفادت دول و شعوب العالم من مكتشفات العلوم السلوكية والتكنولوجية على حد سواء في تسارع ذلك التطور. ومن ثم عمدت الى توظيف هذه المعطيات العلمية.

وهكذا استفادت الدول فطورت من أساليب تعاملها مع المظاهرات داخل حدودها, بل ومن أساليب توجيهها - بل و تمويلها أحيانا- للمظاهرات في دول أخرى وفقا لمصالحها. وهكذا حصل استنساخ للمظاهرات السياسية العفوية التقليدية وأعيد إنتاجها مخابراتياً لإسقاط أنظمة الحكم أو لنشر الفوضى في البلد. وذلك سواء من قبل جهات داخلية أم خارجية. مثال ذلك الدعم المخابراتي الأجنبي لمظاهرات تيميشوارا وبوخارست وجورجيا واوكرانيا وفنزويلا وغيرها. واستفادت الشعوب والجماعات والأحزاب بدورها من جهتها فطورت أساليبها في التظاهر وأدركت أن نجاح تظاهرة ما يرتبط بإنتاج فكرة تظاهرية محورية واحدة جامعة بين فئات المتظاهرين.

التظاهــرات العربيــة

لقد عرفنا في الدول العربية وفي لبنان خصوصاً المظاهرات متعددة الدوافع. ونظراً لسيل المظاهرات المبرمجة في مخطط تغيير دول الشرق الأوسط فإننا سنأخذ المثال اللبناني نموذجاً للحديث عن نمط هذه المظاهرات حيث نبدأ بسرد تاريخي لمظاهرات الإحتجاج على إقامة لبنان الكبير ( 1920 – 1936) وطلب البقاء في وحدة جغرافية مع سوريا. وبعدها المظاهرات المطالبة بإستقلال لبنان ( 1936 – 1943) عن الإنتداب الفرنسي. وبعدها المظاهرات التي أسقطت بشارة الخوري ( 1952) ودفعته للتنازل عن الفترة المتبقية له كرئيس جمهورية بعد تجديد ولايته.

ومع بروز الزعيم العربي عبد الناصر إرتبطت المظاهرات اللبنانية ، والعربية عموماً، بالمد القومي. فكانت تخرج تاييداً لعبد الناصر في مواقفه المختلفة ( 1956 و1967 و1970 وعام وفاته 1971). وللثورة الجزائرية ضد الفرنسيين ( 1960) وللفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل ... الخ من المناسبات العربية والإسلامية التي لا تزال مستمرة.

ثم جاءت الحرب الأهلية اللبنانية لتنهي سلوك التظاهر وسط علاقة إشكالية بين الميليشيات والمواطن. وهي علاقة ثنائية العواطف يتمازج فيها الخوف مع التواطوء. وهو ما حول الإحتجاج من سلوك التظاهر الى سلوك المجازر. مثال ذلك ردود الفعل على الإغتيالات السياسية الحاصلة خلال الحرب.

وها هو لبنان يعيش اليوم ردود الفعل الشعبية المجسدة لإحتجاجات الشعب اللبناني على وقائع ضاغطة على معيشته وعلى حياته اليومية. وإنطلقت هذه التظاهرات كردة فعل على إغتيال الرئيس رفيق الحريري. إلا أنها تخطت هذه الإنطلاقة للمطالبة بالخروج السوري من لبنان. وذلك بعد حملة إعلامية طويلة الأمد وسخية التمويل مدعومة بالخطاء والإهمال السوريين. وبهذه المناسبة إستعاد المواطن اللبناني سلوك التظاهر بعد أن كاد يفقده في ظل الحرب. ومن بعدها في ظل الوجود العسكري السوري. والوجود العسكري على أشكاله لا يحتمل التظاهر الإجتماعي والسياسي.

والواقع أن هذه التظاهرات أربكت كل المتابعين للشأن السياسي اللبناني. فالراسخ في ذهن اللبنانيين أن المظاهرات غير المسيسة في إطار مطالب محددة تكون مسبقة التحضير. وهي بالتالي ممولة بصورة مشبوهة. إلا أن التخطيط الجيد لهذه التظاهرات إنطلق من مبدأ التفاوض الرئيسي. وهو القائل بتجاهل نقاط الإختلاف بين الأطراف والتركيز على نقاط الإلتقاء بينهم. حيث تمكن المنظمون من إقامة هذه التظاهرات على المحاور الجامعة التالية:

- المطالبة بالخروج العسكري السوري: دون الخوض في تفاصيل خلفيات ودواعي هذه المطالبة بين الفئات المشاركة. فهذه المطالبة ليست عقائدية بل هي تستند الى دواعي متناقضة تمام التناقض. فعتب الحريري على السوريين ينبع من تفضيلهم للرئيس لحود عليه. ومن هنا إنسحابه الإحتجاجي من رئاسة الوزارة وعمله على تصعيب مهمة لحود ورئيس وزارته عمر كرامي.

- المطالبة بمعرفة الحقيقة حول إغتيال الحريري: وهنا لا بد من التساؤل عن سبب إختيار هذا الأسلوب الفج والدرامي في عملية الإغتيال. فلو إقتصر الهدف على إغتيال الحريري فقد كان بالإمكان إغتياله على طريقة جون كينيدي ( قناص ورصاصة واحدة).

- الخوف من الإنتقام السوري: رغم الحملة الدولية المطالبة بالخروج السوري والمتحدية للسياسة السورية ( القرار 1559 وقانون محاسبة سوريا والتهديد بحصارها إقتصادياً...الخ) فإن المتظاهرين كانوا يدركون أن التواجد السوري لا يقتصر على الظاهر بل يتخطاه الى مشاركة سورية في نسيج المجتمع اللبناني على مختلف الصعد الاجتماعية والعائلية والإقتصادية وغيرها. ومن هنا ترداد قيادات المعارضة لتلميحات الخوف والتخويف من الخوف.

- تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب قبل تفجر خلافات المتظاهرين: ومن هنا دعوات الإستعجال والتهالك غير المبرر على جملة خطوات يمكنها أن تكون مؤذية بتسرعها وتعجيلها. فاللبنانيون مختصمون مثلاً على قانون الإنتخاب منذ قيام الدولة ولغاية اليوم. ومع ذلك يصر المتظاهرون ومنسقيهم على إستنساخ قانون جديد خلال بضعة أيام لمجرد تأمين ما يعتبرونه فوزهم المؤكد في الإنتخابات إن هي جرت تحت وطأة المظاهرات. ولا يهم بعدها الإنعكاسات السلبية المحتملة لمثل هذا القانون.

على الوجه الآخر وجدنا حزب الله يخرج بتظاهرة لا تقل حجماً أو تأثيراً عن مظاهرات ما يسمى بالمعارضة. إلا أنه خسر في المقابل رفعته عن الدخول كطرف سياسي مباشر. وهو تريث كثيراً قبلها لكنه إضطر لذلك أمام التصعيد المبالغ للطرف المقابل. وهكذا وجد لبنان نفسه أمام تهديد حقيقي لإستقراره وأمام سيرورة يمكنها أن تقود لإعادة إشعال نزاعه الأهلي الداخلي. وكان لا بد للجميع من التراجع بضع خطوات الى الوراء. ومن هذه التراجعات إعادة خلط أوراق الموالاة – المعارضة بما إستتبع عمليات تسرب عديدة بين الفريقين. إلا أننا وقبل الحديث عن هذه التسربات نود تقديم عرض تحليلي للتظاهرات اللبنانية الأخيرة وللنتائج المباشرة المترتبة عليها.

قراءة تحليليــة للمظـاهرات اللبنانيــة

بالمقارنة مع المظاهرات السابقة الممولة أميركياً في الدول النامية ( ومنها مظاهرات رومانيا وجورجيا واوكرانيا وفنزويلا ... الخ) نجد أن للمظاهرات اللبنانية مميزاتها ونتائجها الخاصة. وأهم هذه المميزات التالية:

1. أنها لم تؤد الى سقوط الحكم كما في رومانيا وجورجيا وأوكرانيا وغيرها.

2. أن إستقالة حكومة كرامي أتت في سياق تقليد سياسي عريق وليس في إطار هزيمة سياسية. وهي مسألة تطاول على شخص الرئيس كرامي.

3. أنها عجزت عن طرح موضوع الإستفتاء كما في فنزويلا مثلاً. فالإستفتاء يشكل حساسية لدى المسيحين اللبنانيين. وطرحه كان كفيلاً بتفجير البلد وليس المعارضة لوحدها.

4. أنها تركت البلد بدون دفاعات أمنية مع المطالبة بخلق فراغات أمنية بإقالة رؤساء الأجهزة. دون تقديم البدائل الأمنية لمواجهة الصدامات المحتملة في ظل هذا الإنقسام الذي عمقته التظاهرات وأضافت اليه أحلافاً عابرة ومؤقتة تنهار لمجرد إقتسام المغانم.

5. إعتماد المظاهرات على مبدأ التصنيف المصطنع الى معارضة وموالاة. وهو تصنيف لم يقاوم لغاية إتمام الخروج السوري. مما إستدعى إعادة خلط الأوراق. مما يعني إعطاء تعريف جديد لحركة التظاهرات.

6. سذاجة المحاور المعتمدة كعقيدة تظاهرية. خاصة بعد خروج سوريا وقبول لجنة التحقيق الدولية اللذان أسقطا هذه العقيدة لتتفجر بعدها التناقضات المخيفة بين مختلف الأفرقاء. وسنذكرها في النقاط التالية.

7. أن جميع المعارضين الموارنة هم مرشحون لرئاسة الجمهورية. وهم متنافسون بحدة ستظهرها الإنتخابات القادمة.

8. أن الحضور السني في المظاهرات المعارضة إقتصر على آل الفقيد وبعض التكنوقراط من تيار الحريري. وبدا واضحاً أن هؤلاء لا يتقنون السياسة. في حين غابت أو غيبت الزعامات السنية الكبيرة والتقليدية.

9. أن الحضور الشيعي إنعدم في تظاهرة المعارضة وتكثف في تظاهرة حزب الله.

10. أن مواقف الزعيم الدرزي ترتبط كالعادة بمصلحة الطائفة التي يمثلها في نظام طائفي. وهو تمثيل لا بد له من التعارض مع مصالح طوائف الأكثرية.

11. أن مسألة إقالة رئيس الجمهورية تواجه بنقض ( فيتو) ماروني صادر عن رأس الطائفة.

12. غياب البدائل السياسية. حيث قادة المجتمع المصنعين بعد الطائف لا يتمتعون بمقومات وشروط القيادة وفق اللاوعي الشعبي اللبناني. وهم وصلوا عن طريق المال السياسي. بحيث يمكن الشك في إستمراريتهم لو إستعاد الناخب اللبناني قناعته بأنه قادر على فعل التغيير.

هذه العوامل تبين فشل أميركي سياسي لمخطط التظاهرات اللبنانية. فهي لم تغير نظام حكم ولم تسقط رئيساً كما أنها لم تطرح إستفتاءً. بل أن مظاهرتها ووجهت بأخرى مثيلة حجماً وإندفاعاً ولكن بجرعة حقيقية من العقائدية الراسخة. وعلى المراقب أن يخشى أي إحتمال تصادم بين الطرفين. خاصة وأن التظاهرة العقائدية قابلة للتكرار بدون تمويل أو طقوس مرافقة. في حين إحتاج إستمرار التظاهرة المقابلة للتمويل السخي ولإقامة مسرح وحفلات غنائية.

تحالفــات مــا بعــد الخــروج الســوري

بعد الانسحاب السوري من لبنان أصبح الحديث متاحاً عن جوانب العلاقة بين سوريا وبين السياسيين اللبنانيين عامة. ومن أهم هذه الجوانب ،التي سوف ترسم تحالفات ما بعد الخروج السوري، نذكر التالية:

1. أن غلاة المعارضين الطامحين لرئاسة الجمهورية قد مروا بدمشق وطلبوا دعمها وموافقتها على توليهم الرئاسة الأولى. والرفض السوري كان من أهم أسبابا تحولهم الى معارضين.

2. كان التدخل السياسي السوري في لبنان عميقاً ومتخطياً للحدود. إلا أنه حصل بضغط السياسيين اللبنانيين الذين كانوا يحملون خلافاتهم الى دمشق ويطلبون تدخلها تحت طائلة تفجر الوضع الداخلي والإستقرار السياسي. ودفع السوريون ثمن هذا التورط في تناقضات البلد الداخلية.

3. أن الزعامات الحقيقية ( المستندة الى رصيد شعبي فاعل) لما سمي بالمعارضة كانت متعاونة مع الأجهزة الأمنية السورية على مدى عقود. وهي تراجعت بعد أن أبلغت بالرغبة الأميركية والفرنسية بالدخول السريع على الخط اللبناني.

4. حاول الطامحون ركوب حصان التظاهرات المعارضة طمعاً في تحقيق طموحهم. لكن الزعامات المعارضة أسقطتهم عن ظهر الحصان بمجرد بداية خلط الأوراق بينهم وبين الفريق الآخر.

5. بقاء سوريا لاعباً رئيسياً ( لكن ليس وحيداً كما قبل) الى جانب كل من الولايات المتحدة وفرنسا وإسرائيل. وهذا الواقع يجعل عداء سوريا ممنوعاً على اي سياسي لبناني. لأنه يعني عداوة لاعب رئيسي في الساحة السياسية اللبنانية.

6. تجهد السعودية للحفاظ على دور لبناني إكتسبته عبر الرئيس الحريري. وهي لا تريد فقدانه بفقدان الأخير. إلا أن هذا الطموح يواجه بطموح إيراني مماثل. الأمر الذي يفتح أبواب لبنان أمام سلسلة من اللاعبين الفرعيين. وهذا يعني تجدد الحرب الأهلية فهل هذا هو المطلوب؟. أم أن باب اللاعبين الفرعيين يبقى موارباً بإنتظار تطورات الوضع الأميركي في العراق؟.

7. إن نكتة تقسيم لبنان الى معارضة وموالاة تحولت الى السماجة. مما يستدعي خلط الأوراق لإيجاد صيغة تصنيفية جديدة للبلد ولمتظاهري المظاهرات القادمة.

8. يبقى إنتظام هذه العوامل مجتمعة مرتبطاً بالمفاجآت القادمة قريباً الى لبنان. ذلك أن الوضع الحالي هو وضع فوضى محدودة لكنها مهددة بالإتساع والتفجر. ومن هنا ضرورة حدوث مفاجآت غير منتظرة للخلاص من إحتمالات الفوضى التي لا تبدو مطلوبة من أي من الأطراف الداخلية أو الخارجية أقله لغاية الآن.

9. قانون الإنتخابات هو المرشح البارز للتصنيف اللبناني الجديد. وذلك بحيث يتوزع المتظاهرون القادمون على مؤيدين لتعجيل أو تأجيل الإنتخابات. ومنهم مؤيدي القضاء والدائرة الوسطى والكبرى. وبذلك يكون لبنان قد عاد الى سيرته السابقة. حيث شعب مسيس ومتوزع حول محاور سياسية تحددها مصالح الزعامات والطوائف.

تحــولات الجمهور اللبناني بعد المظاهرات

بالرغم من التحفظات الواردة أعلاه فإن تحولات عديدة طرأت على الجمهور اللبناني بعد هذه المظاهرات. وهذه التحولات وإن لم تكن إيجابية في جملتها إلا أنها ساعدت جيل ما بعد الحرب على التموقع في سياسة البلد وإن هو لم يبلغ التصورات المثالية المناسبة لعمره في هذا التموقع. إلا أن هذه التحولات ستترك أثرها على الإنتخابات القادمة أو على الأسباب التي قد تعوق هذه الإنتخابات. ومن هذه التحولات نذكر:

1. إستعادة الشعور بالقدرة على الفعل والتغيير بدل الشعور بالضآلة واللاجدوى. وإن كان السؤال يطرح حول إحتمالات إستمرارية هذا الشعور في حال إصطدامه بلعبة خلط الأوراق في التحالفات الإنتخابية الآتية.

2. إعادة إحياء رموز الحرب وزعاماتها في ظل العجز عن تخليق زعامات بديلة مقابلة.

3. القبول بعودة التدخل الأجنبي المباشر في الشؤون الداخلية للبلد.

4. فتح الأبواب أمام تصنيع قادة مجتمع على الطريقة الأميركية.

5. معاودة طرح التناقضات المذهبية والطائفية.

6. تسجيل سابقة تعطيل الأكثرية البرلمانية وتقييدها بتحركات شعبية.

7. تجاوز إتفاق الطائف الى فراغ سياسي ناجم عن العجز في إنتاج إتفاق بديل له.

8. الإشكاليات اللبنانية المهددة: المديونية وسلاح حزب الله والفلسطينيين..الخ.

مما تقدم لا نبالغ بالقول بأن هذه المظاهرات جعلت من لبنان المدخل الى فوضى المنطقة بكاملها. والدروس المستفادة من هذه المظاهرات ستلقى تطبيقاتها العملية في المظاهرات المقبلة في البلدان الأخرى في المنطقة. بل أن الشراكة الظاهرية بين الفئات المتظاهرة ستتحول قريباً الى مشاعر الخداع والإضطهاد. بل أن هذا التدريب المكثف على التظاهر سوف يمارس لإعادة إحياء الصراعات القديمة وأخطرها الصراعات داخل المذهبية.

الخلاصــة

إن التظاهر هو سلوك إنساني – إجتماعي وهو عرضة كغيره من السلوكيات الإنسانية لإساءة التوظيف والإستخدام. وبخاصة عندما يأتي سلوك التظاهر قبل طرح الأسئلة وقبل إنتظار الأجوبة عليها. وفي المثال اللبناني نسأل هل تحل التظاهرات الإشكاليات الرئيسية المطروحة على الساحة السياسية اللبنانية كمثل:

1. المديونية البالغة 45 مليار دولار؟.

2. الطائفية السياسية؟.

3. الخطر الإسرائيلي؟.

4. مشكلة توطين الفلسطينيين؟.

5. التناحر الطائفي الكامن في لا عدالة توزيع مقدرات البلد؟.

6. عدم الإتفاق على دستور نهائي للبلد؟.

إن التحليل الموضوعي لنتائج التظاهرات الأخيرة يبين أن المتظاهرين حققوا ظاهرياً هدفاً مشتركاً واحداً. إلا أنهم إنقسموا الى جماعات حقق كل منها أهدافه الخاصة. الأمر الذي سوف يبرر غضبة الفئات الأخرى وإحساسها بانها كانت موضع إستغلال من قبل الرفاق في التظاهرات. حيث تم الإيحاء لكل فئة منهم بأنها هي صاحبة التظاهرة. وفي هذا مقدمة لإنقسامات داخل صفوف الشباب المشارك في هذه المظاهرة. لذلك نأمل ألا يستمر سلوك التظاهر الممول والموجه خارجياً سلوكاً معتمداً للوصول الى المناصب السياسية. وهذا ينطبق على لبنان كما على بقية دول المنطقة المعنية التي قد تراجع التجربة اللبنانية الراهنة وتستفيد منها لتوسيع أطر شعور الشباب بالقدرة على الفعل والتغيير بدون الإنسياق وراء الإيحاءات المفبركة خارجياً.

ليست هناك تعليقات: